
بايتيم سايتي هو مدير مشروع منظمة البحث عن أرضية مشتركة في مقدونيا. قبل الانضمام إلى هذه المنظمة، قاد بايتيم إدارة الاقتصاد والتنمية والتعاون الدولي في بلدية غوستيفار (مقدونيا تعرّف بايتيم على عمل شبكة المدن القوية حين عيّنه رئيس البلدية مسؤولاً عن التواصل في البلدية. تلي المقابلة سردٌ لقصته منذ ذلك الوقت، ما يساعدنا في فهم أثر الاشتراك بالشبكة بشكل عام على بناء الشراكات وتعزيز الابتكار في مجال الوقاية من التطرّف العنيف ومكافحته.
خلال الجلسات الاستشارية الخاصة بالمدينة التي عُقدت في كوسوفو ومقدونيا في شهر أيلول/سبتمبر 2018، التقى فريق عمل شبكة المدن القوية بمجموعة من أصحاب المصلحة المحليين، ومن بينهم بايتيم سايتي، مدير مشاريع منظمة البحث عن أرضية مشتركة. تكثر التحديات الكبيرة في مختلف أنحاء المنطقة في مجال تنسيق المشاريع بالنسبة للمنفذين والمانحين والمتخصصين العاملين في مجال الوقاية من التطرّف العنيف ومكافحته. وبما أنه من المنوي توطيد وترسيخ عمل شبكة المدن القوية في منطقة غرب البلقان خلال السنتين القادمتين، التقينا ببايتيم لمناقشة مشاريعه الحالية وآراءه بشأن ما يمكن لشبكة المدن القوية تحقيقه في البلديات الرئيسية. كونه المنسق المحلي السابق لدى بلدية غوستيافر للعلاقة مع شبكة المدن القوية، يُعتبر رأيه ضروريًا لفهم دور الالتزام الإقليمي والدولي من خلال الشبكة في تشجيع وتفعيل العمل على نطاق واسع، من خلال بناء نماذج وقاية يحتذى بها تعزيز حضور الشبكة وتنظيم جلسات تدريبية. |
“شكّل مؤتمر آرهوس مصدر إلهام بالنسبة لي ودفعني إلى التفكير بشكلٍ فاعل والعمل على تطوير أفكار ونشاطات مرتبطة بالوقاية من التطرف العنيف ومكافحته. وفتح هذا المؤتمر عيناي على المخاطر والتهديدات المحدقة بأحيائنا ومجتمعاتنا. كنّا نرى تلك المخاطر ولكن لم نكن نعي مدى التهديدات الناتجة عنها. مؤتمر آرهوس لفت انتباهي إليها.”
غوسيتفار مدينة تسكنها 81 ألف نسمة في الجزء الغربي من مقدونيا. عانت مقدونيا من تاريخ طويل من التوترات الإثنية بين الغالبية المقدونية والأقليات الإثنية المختلفة في كافة أنحاء البلاد. نظرًا للغالبية الإثنية الألبانية فيها، لم تسلم غوسيتفار من العنف الإثني في الماضي. حادثة 9 تموز/يوليو الشهيرة سنة 1997 التي شهدت اندلاع اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين الألبان، وأدت إلى مقتل ثلاثة مدنيين وجرح ما لا يقل عن 200 شخص. وفي شهر شباط/فبراير 2012، أدى قتل شرطي مقدوني خارج الخدمة لشخصين من الإثنية الألبانية بعد عراك بسبب موقف سيارة إلى اندلاع أحداث عنف إثني في كافة أنحاء البلاد.
كانت مدينة غوسيتفار في الماضي مدينة مزدهرة اقتصاديًا ولكن ذلك تغيّر بعد استقلال مقدونيا. إذ باتت المدينة تعتمد على التحويلات النقدية من الخارج والشركات الصغيرة. واليوم، نسب البطالة مرتفعة فيها وتشكّل هجرة الشباب تهديدًا حقيقيًا لمستقبل غوستيفار. وفي هذا السياق، بالإضافة إلى انعدام الفرص المتاحة للشباب المحلي المحبط، باتت المدينة عرضة أكثر من ذي قبل للسرديات المتطرفة والتقسيمية. لذا يعتبر السكان المحليون أمثال بايتيم المدينة معرضة لخطر التطرّف الداهم. فلم تعد غوستيفار معرضة فقط لخطر الحركات الإثنية الانفصالية بل بدأت تظهر أيضًا إشارات تدل على تغييرات في المواقف الاجتماعية وعلى تعاظم التأثيرات الخارجية المؤدية إلى اشتداد مواقف الحركات الإسلامية المحافظة.

ومع أن معظم المحاربين الأجانب المقدونيين الذين انضموا إلى صفوف داعش في سوريا والعراق هم من مدن سكوبيي وأراسينوفو وسراج، بعضهم من مدينة غوستيفار أيضًا. وهذا ما دفع إلى ضمّ البلدية إلى خلية العمل التابعة للشرطة المقدونية في شهر آب/أغسطس 2015 التي نتج عن عملها توقيف تسعة أشخاص بالإضافة إلى عمليات تفتيش ومصادرة للمعدات إلكترونية.
بصفته رئيس إدارة الاقتصاد والتنمية والتعاون الدولي في بلدية غوستيفار، تولى بايتيم وضع عدد من المشاريع الرامية إلى توفير فرص عمل للشباب المحلي. ومن ضمن هذه المشاريع كان تأسيس مجلس الشباب الأوّل من نوعه في مقدونيا وإعادة تأهيل منشآت رياضية في المدينة. وعلى الرغم من عدم مشاركة بايتيم وبلديته بأي برنامج في مجال الوقاية من التطرّف العنيف ومكافحته حينها، طلب رئيس البلدية من بايتيم تولي مهمة المنسق مع شبكة المدن القوية حين انضمت البلدية إلى الشبكة في شهر آذار/مارس 2017. وبعد توليه هذا الدور الجديد، شارك بايتيم في القمة الدولية لشبكة المدن القوية سنة 2017 في آرهوس.
“أعتقد أنه بمساهمة السلطات المحلية بشكلٍ مباشر ودعم الشرطة والمجموعات الدينية ومنظمات المجتمع المدني والشباب، يمكننا إنشاء مركز لأصحاب المصلحة القادرين على إحداث أثر في مجال الوقاية من التطرّف العنيف ومكافحته في أي مجتمع محلي في العالم. ففي النهاية، يجب أن تعالج المشاكل المحلية على المستوى القاعدي.”
في آرهوس، تعرّف بايتيم على نموذج آرهوس وشارك في ورشات العمل المختلفة بالإضافة إلى نقاش شبكة المدن القوية حول موضوع “شبكات الوقاية المحلية في الأردن ولبنان: ماذا يمكن للجهات الفاعلة المحلية في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تتعلم من تجارب بعضها البعض؟” تناولت الجلسة عمل شبكة المدن القوية على بناء القدرات بهدف تأسيس بنى تحتية ونشاطات غير مسبوقة للوقاية من التطرّف تنطلق من القاعدة في البلديات الستّ. كما ناقشت الجلسة كيف ساعد هذا المشروع رؤساء البلدية والبلديات في جمع أصحاب المصلحة المحليين من قادة روحيين ومربين وشرطة وعاملين في مجال الدعم النفسي الاجتماعي لتحقيق هدف واحد. فمن خلال بناء علاقات التواصل بين أصحاب المصلحة الرئيسيين العاملين في مجال الوقاية من التطرّف العنيف ومكافحته في مدينة ما، يصبح التنسيق الفعّال ممكنًا، وهذا ما يساعد في إحداث أثر أكبر على المجتمع وفي تفادي بذل الجهود ذاتها من قبل جهات متعددة. بعد الانتهاء من تأسيس هذه الشبكات، يصبح من الممكن نقل التنسيق إلى المستوى الوطني ما يضمن التواصل بين الجهات الفاعلة في مجال الوقاية على كافة المستويات.
وبعد عودته إلى غوستيفار، عرض بايتيم هذا المفهوم على رئيس البلدية وأطلق آلية إنشاء شبكة الوقاية المحلية الخاصة به. وبعد تغيّر إدارة البلدية في السنة التالية، حمل بايتيم ما تعلمه معه إلى وظيفته في منظمة البحث عن أرضية مشتركة. تم إعداد مقترح مشروع استنادًا إلى ما تعلّمه في آرهوس وإلى المعلومات المتاحة على مركز المعلومات على الإنترنت الخاص بشبكة المدن القوية الذي يحتوي معلومات عن شبكات الوقاية المحلية في الأردن ولبنان.
اقتناعًا منها بجدوى هذه المقاربة، وافقت السفارتين البريطانية والهولاندية في سكوبيي على تمويل منظمة البحث عن أرضية مشتركة على مدى عامين لتجربة نسختها الخاصة من شبكات الوقاية المحلية، التي أطلق عليها اسم فرق العمل المجتمعية، في ثلاث بلديات هي: تشاير وغوستيفار وكيتشيفو.
واليوم بات عمل فرق العمل المجتمعية جزءًا من الإستراتيجية الوطنية الخاصة بجمهورية مقدونيا لمكافحة التطرّف العنيف (2018- 2022)، بالإضافة إلى الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب في جمهورية مقدونيا (2018- 2022)، بهدف تحسين طرق التعاون بين الدول والسلطات المحلية والمجتمعات المحليّة.
بما أن فرق العمل المجتمعي تعمل الآن في ثلاث مدن عضوة في شبكة المدن القوية، ستتاح أمام الأعضاء فرصة متابعة تطوّر عملها واستخلاص العبر المهمة عند تنفيذ المشروع ليس فقط في منطقة غرب البلقان بل أيضًا في كافة أنحاء العالم.
تظهر قصة بايتيم الأثر المباشر الذي قد تحدثه الشبكة على المدن الأعضاء. وتشكّل مصدر إلهامٍ يشجعنا جميعًا على متابعة التبادل والتعلّم من بعضنا البعض بالطريقة ذاتها المعتمدة خلال السنوات الثلاث الماضية. تفتخر شبكة المدن القوية بمثل هذه القصص التي لم تكن أن تنشأ لولا التزام أعضائها الاستثنائي. بايتيم مصدر إلهامٍ لنا بقدر ما شكّلت الشبكة مصدر إلهامٍ له.
